١٧‏/٩‏/٢٠١٠

كتاب يهود عراقيون والحنين الى الوطن الاصلي- نشر على موقع دويتشة فيلة

يتساءل كثيرون عن سرّ سيطرة المهاجرين العراقيين على مواقع ثقافية وأكاديمية مهمة بإسرائيل. فقد تمكن الكتاب اليهود العراقيون من اختراق حواجز الثقافة الغربية عبر الكتابة بالعبرية وتسجيل الذاكرة العراقية بالكتابة بالعربية.

"على امتداد سنوات، اعتبرت اللغة العربية في إسرائيل لغة العدو. هذه اللغة العظيمة اضطرت إلى الانعطاف عن الشارع الرئيسي إلى طريق ترابي". يعكس هذا الوصف، بقلم روني سوميك، وهو واحد من أبرز الشعراء الإسرائيليين المعاصرين من أصل عراقي، الظروف التي أحاطت بالكتاب اليهود لدى وصولهم إلى إسرائيل بعد أن اجتثوا من جذورهم العراقية العميقة.

العربية والعبرية توأمان
كانت حرب 1948 نكبة مشتركة للفلسطينيين واليهود من الدول العربية سواء؛ فقد تركت هذه الحرب أثرا بعيدا في مجال الهوية والانتماء. وكان من الطبيعي أن تتوجه نخبة من الشبيبة اليهودية العراقية، في بداية قيام دولة إسرائيل، إلى الكتابة الروائية والصحفية بالعربية لتمكنهم من هذه اللغة وآدابها. غير أن جمهور القراء كان محدودا ومقتصرا على العرب في البلاد.
وخلال فترة وجيزة انتقل اليهود العراقيون، وأغلبهم كانوا من ذوي الميول الشيوعية، للكتابة بالعبرية بدلا من العربية، لكون اللغتين توأمين للغة الآرامية، وبهدف الوصول إلى جمهور أكبر للتأثير فيه وتثقيفه. ومن أبرز هؤلاء الكتاب  سامي ميخائيل وشمعون بلاص.
في حين انطلق الجيل الأكثر حداثة إلى الكتابة باللغة العبرية مباشرة مثل إيلي عمير، الذي قلما كتب عنه النقاد العرب، على الرغم من نجاحه في إسرائيل وحصوله على جوائز تقديرية. كما ترجمت روايتان له وهما "ياسمين" و"مطير الحمام" إلى اللغة العربية.

"المسقوف" في الأدب العبري
ويطغى الفولكلور العراقي على  أدب إيلي عمير إذ ترد في كتاباته باستمرار أسماء الأكلات الشعبية العراقية، كالسمك "المسقوف" وكبة الباميا والمحاشي والأكلات اليهودية مثل التبيت -tibeet (دجاج محشي) الذي كان يتناوله اليهود أيام السبت كما يؤرخ عمير للشخصيات الشعبية العراقية في رواياته كمطير الحمام.
وفي أدب سمير نقاش نجد حضورا قويا لما يمكن وصفه بـ"النكهة العراقية"، أي اللهجة وطريقة التفكير والتدقيق في تفاصيل الأمكنة وطبيعة الحضارة العراقية. ونقاش من الجيل نفسه ويُعد من أهم الكُتّاب اليهود الذين كتبوا بالعربية. وكان نقاش (توفي عام 2004) كاتبا متعدد المواهب؛ فقد كان قاصا وروائيا وكاتبا مسرحيا وباحثا في التراث اليهودي.
وكانت اللغة العربية جزءا من هويته العراقية التي لم يفرط فيها. وقد وصفه نجيب محفوظ بأنه من أعظم الكُتاب العرب، غير أن المقاطعة العربية كانت سببا في بقاء نقاش غائبا عن فضاء الثقافة العربية وكتبه غير متوفرة في أسواقها. ولم يكن وضعة في إسرائيل أفضل لأن معظم كتبه لم يترجم إلى العبرية وظل فيها غريب الوجه واليد واللسان.
ويؤكد البروفسور شموئيل موريه، رئيس رابطة الجامعيين اليهود النازحين من الدول العربية وأستاذ الأدب العربي المعاصر في الجامعة .العبرية لدويتشة فيله أن "كتابات نقاش حظيت باهتمام كبير في الدول الأوروبية ومراكز الأبحاث في إسرائيل والخارج".

بين الحنين والتدوين
يشكل الحنين إلى الوطن الأصلي، العراق، أبرز المشاعر المشتركة لجميع الكتاب اليهود من أصل عراقي. ففي رواية "عايدة" ، التي  تترجم حاليا  إلى الكردية والعربية، يعود سامي ميخائيل، الحائز على عشرات الجوائز الأدبية في إسرائيل،  إلى شوارع بغداد في بداية التسعينات قائلا:

"وينوّه اليهودي: لا يوجد للبيت مثيل، بينما يقر العربي: بيتي ولا قصر الملك. وثمة أناس يولدون ويترعرعون في نفس البيت المعروف والقديم .. يجوز أن سقفه بات يتمايل من فـرط الشيخوخة، والأرضية مشققة ومرقعة، لكن هذا البيت يبقى محبوبًا، مثل الأم التي حفرت تجاعيد الشيخوخة وجهها. وتتردّد بين جنبات بيت كهذا أصوات الجيل السابق. فسيمفونية الأجيال هي، عمليًا، الوطن الأصلي".

تفاعلات عربية عبرية  مدعاة للتفاؤل 
 وردا على سؤال لدويتشة فيله عن جدوى الكتابة بالعربية في إسرائيل، يقول البروفسور شموئيل موريه "إننا نكتب لتدوين التاريخ. فنحن نمثل الذاكرة العراقية للجيل الناشئ في العراق. ففي مذكراتي استخدمت العامية اليهودية والعربية الدارجة عند المسلمين، فالأولى توشك على الانقراض والثانية تتغير باستمرار".
ويعج المشهد الثقافي الإسرائيلي بالإنتاج الأدبي العراقي وتراجم من والى العربية. غير ان الطفرة الحقيقية هي تخطي الجيل الصاعد ما يسميه الشاعر الشاب ايلي إلياهو "محطات الخجل"، وذلك في إشارة إلى سلوك والده الذي كان يسارع إلى تحويل موجة الراديو من العربية إلى العبرية بعد خروجه من كراج السيارات الخاص إلى الطريق العام، خشية إن يسمع احد المارة البث العربي. 
ومع تجاوز "محطات الخجل" وغيره من المحطات، بات التحليق في سماء الثقافة والحضارة العربية من سمات المشهد الأدبي الإسرائيلي؛ إذ تتفاعل في هذا المشهد الثقافتان العربية والعبرية، مما يدعو إلى التفاؤل في توسيع رقعة الحوار والتفاهم بين شعوب المنطقة.