٢٧‏/٦‏/٢٠١٠

جولة ادبية داخل عرب اسرائيل

نشر في ايلاف
http://www.elaph.com/Web/Culture/2010/6/572890.html

مع حلول أيام القيلولة بدأت النشاطات الفنية والثقافية تطرق أبوابنا وتستفزنا بإعلانات لا حصر لها. في كل مرة إغراء جديد للخروج في الهواء الطلق والتمتع ببرنامج ترفيهي ينسينا الأحداث المزعجة ويبعدنا ولو لبضع ساعات عن أخبار الساعة التي لا تعرف الكلل أو الملل، سيما أحداث الأسطول البحري المؤسفة لفك الحصار عن غزة. اغتنمت الفرصة للتوجه إلى مهرجان النور في القدس الذي شارك في إعداده وتصميمه 70 فنانا واستقطب على مدى أسبوع حوالي ربع مليون زائر. هذه هي السنة الثانية التي ينطلق فيها هذا المهرجان، بعد النجاح المنقطع النظير الذي حققه في السنة الماضية. وما أن اقتربت من باب الخليل التاريخي، من العصر العثماني، وقعت عيني على حزم من الأنوار الملونة امتدت عاليا نحو السماء في مناجاة مرهفة. ووفقا لتعريف القائمين على المهرجان :" فأن الأنوار اعادت تعريف البنايات القديمة في القدس العتيقة بأبراجها الشامخة وكنائسها العريقة".لقد انتابني شوق عارم إلى التهام المزيد من الصور الخلابة، فرحت أطوف الأزقة بتعطش بالغ، وسط قوافل الزوار من كل طرف وصوب. أكثر ما مسني إن البلدة القديمة ارتدت حلة أصيلة من السكون والتسامح، وسط مزيج من اللغات التي تبعثرت هنا وهناك كأنها لوحة شعرية متجانسة. بدت علامات الرضا على وجوه التجار الفلسطينيين، الذين سوقوا بضائعهم بلهفة بالغة وحنكة. عدد من المقاهي فتحت أبوابها لمواكبة الصرعة الرياضية الجديدة في المونديال أمام المتفرجين من كل بقاع العالم. فيما انتشرت هنا وهناك عربات البائعين على قارعة الطريق، يعرضون ما تيسر من الأكل الخفيف مثل الذرة المسلوقة والكعك المشبع بالسمسم مع حبات الفلافل الشهية!

هذه الليلة تذكرت ليالي بغداد على الكورنيش عندما كنا نقضي أيام الصيف الحارة في المقاهي المنتشرة على امتداد دجلة نأكل سمك المسكوف ونحمده على نعمته. فجأة يقرصني الم الفراق، يليه شعور بالحسرة على كل ما يدور اليوم في العراق دون أن تنتفض شعوب العالم ضد إراقة الدماء. غير أن التفاؤل المزمن الذي أعاني منه، لفت نظري إلى الأمور الايجابية التي تدور حولي.

هذا الأسبوع رأيت لأول مرة الصحفي والكاتب العربي الإسرائيلي سيد قشوع الذي لمع نجمه في الصحافة والتلفزيون العبري، نظرا لأسلوبه الهزلي المتميز، الذي استحوذ على قلوب الجميع، يهودا وعربا ،لاسيما ألمسلسل التلفزيوني الساخر "شُغل عرب". فاز قشوع بـجائزة رئيس الحكومة الإسرائيلية للكتّاب الشباب العبريين بعد صدور كتابين له بالعبرية احدهما رواية "العرب الراقصون " التي أثارت اهتمام الفنان العالمي عمر الشريف وأعرب عن رغبته بالمشاركة في بطولة فيلم روائي طويل. كان ذلك في مقابلة تلفزيونية بمناسبة صدور كتابه الجديد باللغة العبرية بعد نجاح الكتابين الأولين نجاحا منقطع النظير. أسلوبه الهزلي الساخر يسهل على القارئ تقبل النقد، سواء كان موجها للعرب أو اليهود. هذا الأسلوب هو الأكثر شيوعا في الدول العربية عموما. والمثير للإعجاب أن سيد قشوع متمكن جدا من اللغة العبرية، الأمر الذي يمكنه من الكتابة بالعبرية في إنتاجه الصحفي والفني.

إن تعامل عرب إسرائيل باللغة العبرية في الحقل الفني والصحفي، أصبح ظاهرة أكثر انتشارا، مع دخول جيل جديد من الشبيبة إلى معترك الحياة الحقيقية. ذلك ينعكس في أسبوع الكتاب العبري في البلاد، وهو عرس ثقافي يتم إحياؤه كل عام. الإنتاج الفكري في إسرائيل يضاهي الإنتاج الفكري في فرنسا التي يبلغ تعدادها السكاني 60 مليون. وتشير الإحصاءات ان في عام 2009 تم إصدار 5000-6000 كتاب جديد وان معدل الكتب التي يقرأها الفرد سنويا تبلغ 5 كتب. فرحت جدا لملاحظة كاتب عربي جديد عودة بشارات من يافا الناصرة يصدر أول باكورة له "ساحات زتونيا" باللغة العبرية بعد أن كان قد أصدر الرواية باللغة العربية. لقيت الرواية ترحابا في أوساط النقد وتم إدراجها في قائمة الكتب التي تصلح لأفلام سينمائية. النتاج الأدبي يلقى تشجيعا خاصا من قبل صناديق دعم الإنتاج السينمائي المعنية برفع نسبة الأفلام المستقاة من الأدب التي تشكل 10% فقط من مجموع الأفلام المنتجة سنويا.

وذكرت دارا لنشر لدى تقديمها للكتاب: "ساحات زتونيا، هي رواية مشوقة، بأسلوب ساخر، ولكن بمشاعر من التعاطف الحميمة، يتمكن القارئ العبري من إلقاء نظرة نادرة على حياة عربية في البلاد".

كما لفتت نظري مجموعة شعرية سياسية صدرت لسما شقرا ومحمد اغواني من شباب يافا. لغتهما العبرية تفوق قدراتهما في العربية. بوادر دخول الشاب العربي الى ال"مين ستريم " الإسرائيلي هي مدعاة للتفاؤل وهذه الظاهرة تعكس تحولا في العقلية يترك أثره على الشكل والمضمون. ولاشك أن هذا التوجه يساعد في بناء جسور ثقافية جديدة تشجع على تعميق التفاهم بين العرب واليهود بسبب المضامين الجديدة التي يتطرق إليها. صحيح أن إسرائيل وقعت في أخطاء كثيرة لدى تعاملها مع العرب لكن هذه الأخطاء تختزل من مجموع الإمكانات للخطأ. ولا بد من التذكير هنا بروح النص مما قاله واطسون لاستاذه أيدلسون مكتشف الكهرباء:" إنني استغرب كيف انك على استعداد لتحديد موعد للانتهاء من مهمة توفير الكهرباء بعد الأخطاء العديدة التي وقعت فيها. أليست هذه مجازفة؟ فما كان من واطسون إلا القول : صحيح إننا أخطأنا 250 مرة لكن هذا يعني أننا ادخرنا 250 غلطة إضافية على الطريق، والسلام عليكم.


 

١٩‏/٦‏/٢٠١٠

الصحافة في خدمة الزعامة


إن حرية الصحافة في الدول العربية لا تزال مكبلة بالكثير من السلاسل على الرغم من التحسن الذي طرأ على بعضها خلال السنوات الأخيرة. ترددت كثيرا في التطرق في هذا الموضوع لان الوضع لدينا لم يصل إلى الدرجة المثلى بعد. لكن تعاطفي مع الشعوب التي تعاني من حكامها رجح الكفة.

لفت نظري مقال مؤخرا، يرد فيه صحفي فلسطيني غاية المصداقية والجرأة على اتهامات وجهها له السفير الفلسطيني السابق لدى استراليا ، بسبب كشفه عن فضيحة مالية لدى السلطة الفلسطينية.

ووفقا لتصريحات السفير عن جريدة "دي استرليان " فان كل صحفي يكشف عن فضائح مالية في السلطة هو خائن، باعتبار الشعب الفلسطيني ضحية الصراع في الشرق الأوسط،، لذلك يجب أن يوجه الصحفي سهام النقد إلى الجانب الإسرائيلي باعتباره المسئول عن معاناة هذا الشعب "، وفقا لوجهة نظر السفير. وبرر الأساليب التي كانت تستخدمها أوربا في تصفية العملاء مما دفع بالصحفي الفلسطيني إلى الرد " بأنه لسعيد جدا أن يعيش في دولة إسرائيل في ظل الحرية والديمقراطية " ! لم استغرب. إذ أن الصحافة في إسرائيل لا ترحم وزيرا أو رئيس وزراء من النقد!

إن الأنظمة الحاكمة عموما لا تحب الانتقادات التي تعتبر أداة مهمة لمحاسبة السلطة في الأنظمة الديمقراطية. هذا الحال مغاير في الشرق الأوسط، فهناك دول أكثر انفتاحا للانتقاد وغيرها أكثر تشددا وصرامة تجاه الأصوات التي تنادي بالإصلاحات أو الشفافية باعتبار الحكام فوق القانون ! إن مراعاة مصلحة الشعب الفلسطيني هي التي دفعت بالصحفي الفلسطيني إلى الكشف عن أساليب مرفوضة مثل الفضائح المالية. وضرب الصحفي مثلا على انعدام المرونة لدى السلطة الفلسطينية لدى تعاملها مع الصحافة منذ عهد عرفات، كقيام كتائب الأقصى بكسر ذراعي صحفي لم تستسغ انتقاده ، فيما كالت مجموعة أخرى الضرب المبرح لصحفي فلسطيني لأنه نشر صورة حمار في غزة بدلا من نشر صورة عن معاناة أهل غزة .

خلال مؤتمر لتحسين التغطية الإعلامية في الشرق الأوسط حضرته في لندن مؤخرا، صعقت لسماع الوضع الذي آل إليه الصحفيون الذين يغطون الحرب الأهلية في العراق. حوالي 200 صحفي لاقوا مصرعهم لدى القيام بواجبهم الإعلامي. عن هذا الوضع تحدث ايتاي انغل الصحفي الإسرائيلي الذي يعمل في القناة الثانية في إسرائيل ولم يتوان عن تغطية الأخبار في العراق او أماكن أخرى مفعمة بالمخاطر وتدور فيها حروب طاحنة. وروى انغل كيف أن الصحفيين يتعاونون مع بعضهم على أساس إنساني ومصير مشترك في مثل هذه الظروف العصيبة. ولاشك أن فكرة عقد المؤتمر التي بادر اليها صندوق " نيكست جنيريشن فوانديشن " هي لفتة مهمة ، خصص فيها يومين دراسيين تطرقا إلى السبل الكفيلة بتحسين نوعية التغطية في ظل الضغوطات والقيود المفروضة على الصحافة في الشرق الأوسط ودور النقابات الصحفية في تأمين سلامة الصحفيين.

الجانب الثاني من المؤتمر كرس لتوزيع الجوائز على الصحفيين في الشرق الأوسط وفقا لاعتبارات صحفية ، بضمنهم 4 إسرائيليين. وأقيم حفل عشاء فخم في منتدى خريجي اوكسفورد وكمبردج في قلب لندن برعاية رجل أعمال سعودي في لفتة منقطعة النظير، ينتهجها منذ عدة سنوات بهدف بناء الجسور بين شعوب المنطقة. وعسى أن نحظى بالمزيد من هذه المؤتمرات التي تستقطب اهتمام المجتمع المدني الذي يؤثر في نهاية المطاف على الرأي العام في ظل الانتهاكات التي تتعرض لها حرية الصحافة بما يخدم شعوب المنطقة.
 
نشر المقال في موقع الاخبار الرئيسية
 






في قارب واحدى عن/معاريف 10/6/2010

ترجمة المقال ونشره عن موقع وكالة سما
http://www.samanews.com/index.php?act=Show&id=69686
جلس تركي على السطح ودعا الله أن ينزل عليه من خيراته. تجلى له ملك ووعده بأن يحقق كل مطلوبة، بشرط أن يوافق على أن يحصل جاره اليوناني على ضعف ذلك. طلب التركي من الملك أن يقلع عينه حتى يفقد الجار بصره. هذه نكتة معروفة مشهورة، لكنها تنطبق على هذه الأيام انطباقا حسنا. أن سلوك حماس في حادثة الأسطول البحري يلائم فهم التركي في الحكاية التي أمامنا.



ما هي الفائدة المحسوسة التي حدثت لسكان غزة من فكرة الأسطول كلها؟ على حسب شهادة عضو اللجنة المركزية في فتح في مقابلة صحفية مع وكالة الأنباء الألمانية، لم يكن يوجد أصلا نقص من المساعدة الإنسانية لغزة: "فالسلطة الفلسطينية تهتم كل يوم بنقل مائتي شاحنة من الغذاء والسلع والوقود من طريق المعابر لا من طريق رفح". ومن الفضول أن نذكر أن هذا يتم بمساعدة حكومة إسرائيل. يمكن أن نرى شهادة على ذلك في هذه الأيام، بتأخر كبير، في الصور التي تنشر في مواقع الانترنت أيضا. إن شهادة رجل فتح لبنة أخرى في إطلاق دعايات حماس الكاذبة، والتي أفضت سياستها الساخرة إلى تنظيم الأسطول الدولي "لكسر الحصار الإنساني عن غزة". لو أرادت حماس كسر الحصار عن غزة، لوجدت في جعبتها عدة حلول. تناول أحدها عبد الرحمن الراشد، وهو كاتب مقالات في صحيفة "الشرق الاوسط" التي تصدر في لندن: "لو أرادت حماس كسر الحصار عن غزة، لكانت أسهل الطرق تحرير جلعاد شليت". وهكذا، وإذا استثنينا الخطابة المميزة المعروفة في هذه الفرص، لم يغب عن نظر بعض وسائل الإعلام العربية الليبرالية أن الأسطول مشهد درامي وعملية صرف انتباه أخرى من منظمة متطرفة نجحت في تعويق جهود السلام وتضر بالدول المعتدلة في المنطقة. وهو يرى ان النتيجة لا تخدم حماس فقط بل معسكر اليمين في إسرائيل غير المعني من وجهة نظره في التنازلات من أجل السلام.



تقوم حماس بكل ما تستطيع من أجل بلبلة العالم وأبعاد السلام . وهكذا تخلد معاناة سكان غزة، في حين تتمتع قيادة حماس بحياة الرخاء. يقول الراشد إنه بدل التوصل إلى تفاهمات مع فتح وتوحيد صفوف الشعب الفلسطيني، أصبحت حماس مستعدة للتضحية بمستقبل الشعب الفلسطيني عوض جلالة شأنها ومصالح قادتها. ليست إسرائيل وحدها. إلى جانب طلب إقامة لجنة تحقيق لتحقيق حادثة الرحلة البحرية تسمع عدة أصوات، لا في العالم الغربي وحده، تؤيد موقفنا.



استصوب صحفي عراقي يعيش في الولايات المتحدة أن يكون مدافعا عن إسرائيل في هذه الأيام الصعبة. فقد كتب خضير طاهر تحت عنوان "أعلن تأييدي إسرائيل وحقها في الدفاع عن النفس" في موقع "ايلاف" الشعبي في العالم العربي، أنه كان لإسرائيل الحق التام في معارضة دخول أجانب غير معروفين بغير تفتيش جوازات سفرهم. وزعم أنه لا توجد دولة سوية تطاردها منظمات إرهابية تخضع لأسطول كهذا. وقد أعظم الأكراد الفعل إذ ردوا على التقرير الصحفي بسؤال: أكانت سفينة تحمل أعضاء من منظمة الـ "بي كي كي" الكردية تستقبل عند اردوغان بالزهور أم بإطلاق نار لا رحمة فيه.