٢٨‏/١١‏/٢٠١٠

مدينة اللد- نموذج للتعايش بين العرب واليهود في اسرائيل

من اجل استعادة تاريخ مدينتهم الحافل بالمآثر الشاهدة على تعايش الثقافات والأديان عبر مئات السنين أطلقت شخصيات عربية ويهودية مبادرة مشتركة لتطوير مدينة اللّد، يأملون أن تشكل نموذجا للتعايش داخل إسرائيل وفي المنطقة عموما.

تبنت الحكومة الإسرائيلية مؤخرا برنامجا لاستثمار 130 مليون شيكل إسرائيلي في مدينة اللّد في أعقاب حوادث العنف التي عصفت بالمدينة، بهدف توفير الأمن لسكان اللّد والارتقاء بمستوى معيشتهم. وتقتضي الخطة جمع الأسلحة غير القانونية وترميم البني التحتية وتطوير الخدمات على جميع الأصعدة.

جاءت هذه الخطة بعد إهمال طويل للمنطقة الأمر الذي ساهم في ارتفاع معدلات العنف ورواج المخدرات بسبب الظروف الاقتصادية المتردية وسوء الإدارة البلدية، غير أن القشة التي قصمت ظهر البعير كانت ثلاثة حوادث قتل خلال شهر واحد، تركت سحابة ثقيلة على المدينة.

اللّد تزخر بالآثار
يتميز سكان اللّد البالغ عددهم 75 ألف نسمة بخلفيات متعددة الثقافات والأديان منهم 27 في المائة من العرب. وتتمتع المدينة بموقع جغرافي وتاريخ حافل، يرشحها أن تتربع على الخارطة السياحية على المستوى المحلي والعالمي، فهي قريبة من كل من تل أبيب والقدس وعلى مرمى حجر من مطار إسرائيل الدولي.

وتعتبر اللّد أقدم مدينة في إسرائيل حيث عايشت حضارات عدة على مدار 8000 سنة متواصلة وكانت عاصمة لجميع الثقافات التي حلت بالمنطقة منذ العصر الحجري وحتى عام 1948، وهي تزخر بمواقع أثرية للأديان الثلاثة، منها الجامع العمري الذي أمر ببنائه الظاهر بيبرس في عهد المماليك وكنيسة القديس جورجيوس التي تعرف بالخضر من القرن الثالث الميلادي.

الشراكة مفتاح التعايش

تم مؤخرا إنشاء صندوق لتطوير اللّد بمبادرة مدنية من قبل شخصيات من مختلف الطوائف، يجمعها قاسم مشترك هو إعادة اللّد إلى مجدها. ويسعى الصندوق للحصول على دعم حكومي وأهلي في الداخل والخارج، لمشاريع متنوعة في المدينة ولفت الانظار إلى حاجة المدينة إلى التنمية والتطوير.

وفي لقاء دويتشه فيله مع مؤسس الصندوق ابيب باسرمان، يتحدث ابيب بلهفة وحرارة عن البوادر الايجابية في المدينة قائلا إن من أهم مقومات العمل هي التعدد الثقافي، المساواة، والشراكة التي أثبتت نجاعتها بمئات المتطوعين من جميع الأطياف، ضاربا مثلا على ذلك بمبادرة " نعم إننا نستطيع" لتقوية اللغة الانكليزية لدى طلاب المدارس الذين يتلقون الدروس من متطوعين، لغتهم الأصلية انكليزية، وبرنامج الموسيقى "مدينة تعزف" الذي يشمل 250 طالبا يهوديا وعربيا. ويقول مدير الصندوق إنه انتقل إلى السكن في مدينة اللد مع زوجته ليكون مثالا يحتذي به وحوّل منزله الخاص إلى ساحة للتوفيق بين جميع الأطياف في المدينة، مشيرا إلى أنه نجح في استقطاب رجال أعمال وكبار الموظفين في الدولة إضافة إلى الدبلوماسيين والمتبرعين من الخارج لدعم المجهود المحلي.

وفي حديث آخر مع عصام براغيثي الذي يدير مدرسة لتنمية المواهب الرياضية لدى الأطفال والشبيبة يقول لدويتشة فيلة إن هذه المدرسة تعمل على تجسيد الروح الرياضية والتفوق في الأداء لدى الأطفال والشبيبة كما أنها توفر إطارا واقيا يحول دون اختلاطهم "بعناصر سلبية في الشوارع"، لاسيما في ظل غياب الأطر التربوية أثناء الفراغ المدرسي،

فنانة عربية تتعاطف

 وانطلق مؤخرا مهرجان "ألف ليلة ولدّ"، ترجمةَ لتكاتف الجهود بين جميع أقطاب المدينة. وتوافد الآلاف من ابرز الشخصيات في البلاد وكذلك دبلوماسيين وفنانين مثل الفنانة العربية ميرا عوض التي قالت لدويتشة فيلة:"صحيح أن النشاطات التربوية لا يمكنها حل مشاكل المدينة، غير أنها قادرة على تخفيف الشعور بالعزلة ومنح السكان الشعور بأنهم يعيشون حياة طبيعية ". وردا على سؤال لدويتشة فيلة عن اسباب اهتمام الفنانين باللّد قالت عوض:"انه يعكس المشاعر الصادقة تجاه سكان اللّد عربا ويهودا". غير أن الصحفية اللّدية حرية السعدي تبدو اقل تفاؤلا من غيرها، على الرغم من تثمينها النتائج التي حققها صندوق تطوير مدينة اللّد، معتبرة أن هناك حالة من اليأس وعدم الثقة لدى السكان بأن الأمور ستتغير نحو الأفضل.

نموذج للتعايش

لا يزال صندوق اللّد في أول دربه ولعل ابرز انجازاته هو خلق بصيص من الأمل وزرع روح المبادرة والشعور بالانتماء في النفوس الطيبة، التي ترفض أن ترضخ للأمر الواقع. ويؤمن أصحاب المبادرة إلى تأسيس هذا الصندوق القائمون بأن نجاح المجهود المشترك سيؤثر ليس على مصير مدينة اللد فحسب، بل سيشكل نموذجا للتعايش بين اليهود والعرب داخل إسرائيل عموما بل وفي الشرق الأوسط قاطبة.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق